رافقت النكبات السوريين أينما حلوا، سواء
داخل بلادهم أو في المعتقلات أو في بلدان اللجوء أو في البحار، وشاركهم
الفلسطينيون المآسي ذاتها وبات وجع الفلسطيني ـ السوري مضاعفا وكأن نكبة
واحدة في بلده لم تعد تكفيه، حيث نالت أضرار الحرب منه كما نالت من السوري
وطالته مآسيها كما طالت السوريين.
في يوم 25/10/2014 حاولت مجموعة من السوريين والفلسطينيين الهروب من تركيا باتجاه إيطاليا، طمعا في حياة أفضل بعدما ضاقت بهم الأحوال كثيرا في تركيا، وكان عددهم 104 أشخاص بينهم نساء وأطفال، ودفع كل منهم ستة آلاف دولار للمهرب، إلا أن خلافا نشب بين المهرب وشريكه الذي يملك المركب المصري مما ترك اللاجئين يوما كاملا في عرض البحر جاهلين مصيرهم، إلى أن رفع المهربان السلاح بوجه أحدهما الآخر مما هدد حياة اللاجئين بالغرق، فقرر المهرب الآخر إنزلهم أمام الشواطئ المصرية بعد استدعاء خفر السواحل المصرية، وفعلا تم نقلهم في الأول من تشرين الثاني/ نوفمبر إلى ميناء أبو قير ومنه إلى قسم كرموز في قلب الاسكندرية.
هناك حطت الرحال باللاجئين في مكان جديد وبدأت رحلة انتظار المجهول مجددا، في غرف متفرقة في سجن كرموز يجلس الرجال والنساء والأطفال، وكان معهم بعض المحتجزين من رحلات سابقة من السوريين والفلسطينيين، فور وصولهم إلى السجن طالبوا بتدخل مفوضية الأمم المتحدة للسوريين والأونروا للفلسطينيين.
تم التحقيق مع جميع المحتجزين وتدخلت مفوضية اللاجئين الدولية بالشأن الإنساني فقط من حيث تقديم الرعاية الطبية وتقديم وجبات الطعام، ثم أصدرت الحكومة المصرية قرارا بترحيل من يستطيع السفر منهم فسافر 47 شخصا، وكان الأمر سهلا عليهم لامتلاكهم جواز سفر ساري المفعول، أما من بقي منهم فلا يملك جوازا لأنه خرج من تركيا بلا جواز أو انتهى جواز سفره، مما جعل مصيره مجهولا منذ ما يقارب ثلاثة أشهر.
تواصلت «القدس العربي» مع أحد المحتجزين داخل السجن «عمر» وتحدث عن ظروفهم السيئة إذ أن المفوضية لم تبد التزامها بشكل واضح وملموس في قضيتهم، ويقتصر دعمها على إرسال مندوبين لها كل أسبوعين، على حد تعبير المحتجزين للاطلاع على أوضاعهم الإنسانية، كما ترسل لهم وجبات يومية في غاية السوء لم يتقبلوها أبدا، أما الرعاية الطبية فيرسلون طبيبا كل فترة للاطمئنان على حالة المحتجزين، في حين أنهم يبيتون في موجة البرد هذه بلا أغطية كافية، ويتابع عمر أنهم طالبوا المفوضية بتحسين نوعية الطعام منذ شهرين، لكنهم لم يلقوا أي استجابة لذلك.
بينما بدأ ينتشر طفح جلدي بين المصابين وتعاملت المفوضية مع هذا الأمر بأدوية سطحية بسيطة ومع ذلك ظل الطفح موجودا، لكن الحالة الأسوأ هي للأطفال والنساء وكبار السن. كيف لطفل رضيع أن يحتمل أن يبقى معتقلا طيلة ثلاثة شهور؟ وكيف تكون هذه البيئة صحية له؟!
هذه الأسباب وغيرها دفعت هؤلاء المحتجزين لإضراب عن الطعام يدخل أسبوعه الثاني على التوالي، بقصد الضغط على المفوضية لمتابعة قضيتهم وأخذها بشكل جدي أكثر، ومع أن ملفهم بات على قائمة جنيف وطاولة حقوق الإنسان، إلا أنهم حتى الآن لم يبصروا أي بصيص أمل يقتاتون عليه، فهم يطالبون فقط بأن تتحدث المفوضية لهم وماذا ينتظرهم؟ ما الذي يمكن أن يحدث لهم؟ ماهو المستقبل المخبأ لهم؟ حيث أن السلطات المصرية من غير الممكن أن تسمح لهم بالإقامة على أراضيها بهذا الشكل غير الشرعي وبلا جوازات سفر، ولا ينكر هؤلاء المحتجزون أن الحكومة المصرية والقائمين عليهم في السجن يتعاملون معهم بمنتهى الاحترام، لكن تبقى قرارات الدولة هي الحسم.
أما أن يرحلوا إلى لبنان أو تركيا فبات أيضا من الصعب جدا أن تستقبلهم أي من الدولتين، وإذا ما فكروا في بلدهم الأم، فسينتهي الأمر بهم في غياهب المعتقلات لأن أكثرهم مطلوبون للخدمة الإلزامية.
12 طفلا واثنين من الرضع وثمانية نساء و51 رجلا كلهم ينتظرون أي أمل بالاستقرار في بلد أو بمد خط إنساني لهم إلى أوروبا القارة التي قصدوها وخسروا كل ما دفعوا لأجلها، سيما أنهم دفعوا نقودهم قبل انطلاقهم من تركيا فوقعوا ضحية احتيال ونصب تجار الموت، لكل منهم حكاية تنزف ألما.
يتحدث خالد «بدأت قصتي عندما حضرت زوجتي ومعها ابني البالغ من العمر سنة ونصف السنة وأخي من لبنان إلى مصر، وحاولوا السفر بطريقة غير شرعية لكنهم غرقوا في رحلة 9 سبتمبر في الرحلة المشؤومة التي لم ينجُ منها إلا عشرة أشخاص، بعد ذلك قدمت إلى مصر بتاريخ 20 سبتمبر وخرجت في رحلة عبر البحر بعد أربعة أيام فورا لكن المركب تعطل بنا، وبقينا في عرض البحر ستة أيام، إلى أن أحضرتنا البحرية المصرية إلى الشاطئ وتم حجزنا من تاريخ 30 أيلول/ سبتمبر إلى الآن، حصلنا على براءة من النيابة العامة بأنه لا توجد أي تهمة علينا، إلا أن الأمن الوطني قرر إبعادنا عن البلاد، لكن لا توجد أي دولة تستقبلنا بسبب انتهاء صلاحية جوازاتنا».
وحتى الآن لا يزال السجناء مضربين عن الطعام، ولا تزال حكاية كل واحد منهم صديقه الذي يؤنسه فيبكيه كل مساء، أما أولئك الذين يتذوقون طعم الحرب للمرة الثانية فإنهم يعتقدون أن وضعهم أسوأ من غيرهم، ربما لأنهم ألفوا النكبات، فلم يعودوا يطالبون إلا بحل وأي حل لينهي هذه المأساة.
0 التعليقات: